وسط انتقادات حقوقية.. لاتفيا ترحل 800 روسي بداعي عدم إتقانهم اللغة
وسط انتقادات حقوقية.. لاتفيا ترحل 800 روسي بداعي عدم إتقانهم اللغة
أعلنت السلطات الروسية السبت عن بدء تنفيذ خطة عاجلة لإيواء 800 مواطن روسي تم ترحيلهم من لاتفيا، بعد أن فشلوا في اجتياز اختبار اللغة اللاتفية والفحص الأمني الإلزامي، وفق ما أكدته المتحدثة الرسمية باسم وزارة الداخلية الروسية، إيرينا فولك، اليوم الأحد.
وقالت فولك في بيان رسمي: "في ضوء التقارير الإخبارية حول ترحيل أكثر من 800 مواطن روسي من جمهورية لاتفيا بسبب عدم تأكيد معرفتهم اللغة اللاتفية وعدم اجتيازهم فحص الأمن الإلزامي، نود إبلاغكم بأن وزارة الداخلية الروسية بالتعاون مع السلطات الفيدرالية والإقليمية وضعت مجموعة من الإجراءات لإيواء وتكييف هؤلاء المواطنين داخل الأراضي الروسية".
وأضافت أن الخطوات الجارية تشمل توفير سكن مؤقت وفرص عمل وخدمات تعليمية واجتماعية للمرحلين، إلى جانب مساعدات مالية عاجلة حتى يتم دمجهم في المجتمعات المحلية.
برنامج “إعادة التوطين”
ذكّرت المتحدثة باسم الداخلية الروسية بأن موسكو أطلقت منذ عام 2006 برنامجاً وطنياً لإعادة توطين أبناء الوطن من الخارج، يهدف إلى مساعدة الروس الذين يواجهون صعوبات في بلدان الإقامة السابقة على العودة والاستقرار في روسيا.
وأوضحت فولك أن المشاركين في البرنامج يتمتعون بعدد من المزايا، منها تسهيلات في السكن، وإعفاءات ضريبية مؤقتة، ودعم مالي مباشر، فضلاً عن إمكانية العمل في مؤسسات الدولة.
ويُعد هذا البرنامج إحدى أدوات السياسة الروسية الهادفة إلى استعادة الكفاءات والمواطنين الروس من دول الاتحاد السوفييتي السابق، خصوصاً بعد تدهور العلاقات مع دول البلطيق خلال السنوات الأخيرة.
توتر بين موسكو وريغا
تأتي هذه الخطوة على خلفية توتر متزايد بين روسيا ودول البلطيق، ولا سيما لاتفيا التي تتبنى منذ عام 2023 قوانين صارمة تجاه المقيمين الروس، وتشترط عليهم إثبات إجادتهم للغة اللاتفية واجتياز اختبارات أمنية لتجديد تصاريح الإقامة الدائمة.
وبحسب صحيفة “بوليتيكو” الأوروبية، فإن 841 روسياً مقيمًا في لاتفيا فشلوا في تلبية هذه الشروط، مما دفع السلطات اللاتفية إلى إلغاء إقاماتهم وإصدار أوامر ترحيل بحقهم.
ونقلت الصحيفة عن مديرة الاتصال العام في إدارة الجنسية والهجرة في لاتفيا، مادارا بوكي، قولها إن هؤلاء الأفراد “لم يظهروا مستوى كافياً في اللغة اللاتفية، ولم يجتازوا فحص الخلفية والأمان، وبالتالي أُمروا بمغادرة البلاد”.
يُذكر أن لاتفيا، العضو في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، تبنّت خلال العامين الماضيين سياسات أكثر تشدداً ضد المواطنين الروس، في ظل تصاعد التوتر مع موسكو بسبب الحرب في أوكرانيا.
أبعاد إنسانية وأزمة هوية
أثار القرار اللاتفي انتقادات واسعة في الأوساط الحقوقية الروسية التي اعتبرته “تمييزاً جماعياً على أساس اللغة والانتماء القومي”.
وقالت الناشطة الحقوقية الروسية يوليا مالينينا إن ما يحدث يمثل “انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان، إذ يُعاقَب الأفراد على خلفيتهم اللغوية، لا على أفعالهم”.
وأضافت أن “الترحيل القسري لمئات الأشخاص، بينهم كبار سن عاشوا في لاتفيا لعقود، يفتح جروحاً إنسانية ويعيد ذكريات الحرب الباردة”.
وفي المقابل، تؤكد الحكومة اللاتفية أن هذه الإجراءات تندرج ضمن سياسة الحفاظ على الأمن القومي وتعزيز الهوية الوطنية، مشددة على أن “اللغة اللاتفية ركيزة أساسية للانتماء للدولة”.
التزام روسيا بحماية مواطنيها
تحاول موسكو من جانبها استثمار القضية لتأكيد التزامها بحماية المواطنين الروس أينما كانوا.
وقالت فولك إن “روسيا لن تتخلى عن مواطنيها الذين وجدوا أنفسهم بلا مأوى أو هوية قانونية، وستضمن لهم حياة كريمة داخل الوطن الأم”.
ويرى محللون أن هذا الملف قد يتحول إلى ورقة ضغط سياسية جديدة بين موسكو ودول البلطيق، خصوصاً مع تزايد الخطاب القومي في المنطقة، وتصاعد الدعوات داخل روسيا لتبني سياسات أكثر حزماً في مواجهة ما تعده “تمييزاً ضد الروس في الخارج”.
مأساة إنسانية تتجاوز السياسة
في خلفية هذه الأزمة، يقف مئات الأسر التي اقتُلعت من حياتها اليومية في لاتفيا، وأُجبرت على مغادرة منازلها ومدارس أطفالها والبدء من جديد في بلد ربما غابوا عنه لعقود.
وتظهر قصص هؤلاء المرحلين، وفق منظمات حقوقية، أن القضية ليست سياسية فحسب، بل إنسانية في المقام الأول، حيث يتطلّب الأمر تعاوناً دولياً لضمان احترام حقوق الأفراد وحمايتهم من قرارات الترحيل الجماعية.










